إسرائيل تسعى لقيادة اليهود في العالم
الوصية التاسعة من وصايا الصهيونية العشر: إسرائيل دولة لليهود في العالم
في إطار نشاطاتهم لتعزيز أُسُس المجتمع اليهودي في فلسطين، قام القادة الصهاينة بكسر الحواجز الحديدية للمجتمع ونقل الأحياء الصغيرة اليهودية من أوروبا إلى المناطق الواسعة في فلسطين.
هذا الأمر جعل إسرائيل في حماية الدعم اللامحدود من المستعمرين الأجانب، وبالتأكيد جعلها قاعدة لأطماع ومخططات القوى العظمى. كما سعى الصهاينة لإخراج إسرائيل من العزلة الناتجة عن وجودها بين الدول العربية، فأنشأوا قنوات اتصال مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت ذاته، أنشأت الولايات المتحدة خطوط جوية بين قواعدها في أوروبا وهذا الكيان لتزويد إسرائيل بالاحتياجات العسكرية والاقتصادية خلال حروب الستينيات والسبعينيات مع العرب.
في هذا السياق، يمكن اعتبار العلاقات بين إسرائيل والعالم الغربي، التي تعود إلى ما قبل تأسيس الكيان الصهي
وني في عام 1948 عاملاً مهماً لكسر الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضه العرب على إسرائيل وإخراجها من العزلة التي عانت منها لفترة طويلة.
لا شك أن الدعم المالي والعسكري والدولي والسياسي والإعلامي اللامحدود من الغرب لهذا الكيان الغاصب منذ تأسيسه في مايو 1948 هو ما مكنه من الظهور والاستمرار والتوسع رغم كل المعارضة الإقليمية والعربية.
الحديث عن دعم الاستعمار والإمبريالية للصهيونية والصهاينة، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، هو حديث طويل لا يتسع له هذا المجال. لذا سنكتفي بذكر أن الكيان الصهيوني مدعوم بشدة من الجهات الدولية الخارجية ويشعر بالطمأنينة من ناحيتهم. لكنه من الداخل يواجه مشكلات معقدة في تحقيق الوحدة بين فئات المجتمع المختلفة.
لم ينجح الصهاينة في تكوين مجتمع يهودي متجانس وخالص عرقياً في فلسطين المحتلة. بدأوا مشروع احتلال إسرائيل خطوة بخطوة بشعار الأمة اليهودية المختارة وحق هذه الأمة في العودة إلى فلسطين، ثم وجدوا موطئ قدم لهم وأسسوا لاحقاً دولة مستقلة على أرض فلسطين وبعض أراضي الدول المجاورة. ومنذ ذلك الحين سعوا إلى إقامة مجتمع خالٍ من أي عرق غير يهودي، ولتحقيق هذا الهدف قاموا بقمع الشعب الفلسطيني بوحشية، وطردوا معظمهم من أرضهم الأصلية، وتاريخ طرد الشعب الفلسطيني في عامي 1948 و1967 يشهد على ذلك.
الشعب اليهودي المزعوم النقي عرقياً، كان منتشراً في عشرات البلدان لعقود عديدة، لذا لا يوجد دليل تاريخي مؤكد على وجود عرق يهودي واحد، وما يُشاع عن عرق نقي وخالص لليهود هو هراء يروجه الصهاينة لتبرير اعتبار فلسطين وطناً حصرياً لليهود.
إذا ارتكب النازيون جريمة ضد اليهود تحت شعار العرق الآري النقي للشعوب الجرمانية، فإن الصهاينة بسيف العنصرية قتلوا الجميع بلا استثناء. يبدو أن شعوب العالم لا تعرف شيئاً عن التاريخ بالطبع، روح العنصرية ليست جديدة وقد شهدناها دائماً، يوماً في يوغوسلافيا، ويوماً آخر في رواندا وبوروندي، وفي اليوم التالي في زائير والكونغو، وفي جميع الحالات كانت التطهير العرقي والإبادة الجماعية جزءاً لا يتجزأ من هذا المسار المأساوي.
لهذا السبب، عندما فشل الصهاينة في تطهير فلسطين من العرب تماماً، لجأوا مؤقتاً إلى شعار الدم والحضارة النقية لتمهيد الطريق للطرد والتطهير الكامل. ولتحقيق هذا، اتفقوا مع بعض القادة الفلسطينيين المهادنين على إنشاء مناطق عربية داخل إسرائيل كجزء لا يتجزأ من هذه الأرض، وقرروا أن يقيم نحو ربع الفلسطينيين في مناطق تُسمى بالسلطة الفلسطينية، لكنها تحت السيطرة الإسرائيلية، حيث تسيطر القوات الصهيونية على جميع الطرق والمنافذ.
نعم، هذا هو استقلال الشعب الفلسطيني الخيالي الذي جلبته اتفاقيات أوسلو وغيرها من الاتفاقيات التي تُسمى بالسلامية، والتي في الواقع طهرت معظم أراضي فلسطين من العرب.
رغم وجود مليوني عربي يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948 و1967، لم ينجح الإسرائيليون في إنشاء مجتمع يهودي نقي تماماً. لكنهم سيطروا على أرض فلسطين وحصلوا على تصريح بملكيتها من القوى الكبرى والدول العربية، والأهم من ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني! هكذا، أخذت فلسطين اسم إسرائيل دون استشارة الآخرين، ووجد العرب فرصة لطردهم في الوقت المناسب على يد الصهاينة
بعد اتفاقية أوسلو، تحول يهود فلسطين أو بالأحرى المجتمع الإسرائيلي إلى ملاذ ومسؤول عن مصير اليهود في جميع أنحاء العالم من كل عرق وجنسية، وتحولت إسرائيل خلال مئة عام إلى دولة لليهود في العالم
مثل هذه الحالة لم تكن موجودة في أي مكان في العالم، حتى في يوغوسلافيا السابقة، أو في أفريقيا الوسطى، أو حتى في جنوب أفريقيا حيث كان التمييز العنصري أو الأبارتايد يسيطر على جميع جوانب الحياة، لكن إسرائيل استطاعت أن تفرض نفسها على العالم كالممثل الشرعي والوحيد لليهود. ومع ذلك، بعد فترة، شهدت علاقات حكومة إسرائيل مع المنظمة الصهيونية العالمية والجيل الجديد من اليهود في الدول الغربية توترات كبيرة. من بين الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه التوترات يمكن الإشارة إلى العنف غير المحدود من قِبَل قادة إسرائيل ضد اليهود خارج البلاد، واستياء الأثرياء الصهاينة من الاستثمارات غير المجدية في إسرائيل وتكبد تكاليف باهظة للحفاظ على هذا النظام خلال النصف قرن الماضي. لأن يهود العالم، وخاصة المستثمرين اليهود في أمريكا، كانوا ولا يزالون يتحملون مسؤولية سد العجز السنوي في ميزانية إسرائيل، والذي يرجع في الغالب إلى النفقات العسكرية الباهظة.
بدأت الأزمة بين المنظمة الصهيونية العالمية (World Zionist Organization) وحكومة إسرائيل منذ عهد ناحوم غولدمان (Nahum Goldmann)، رئيس المنظمة وصديق وحليف إسرائيل لعدة عقود، وانتشرت إلى درجة أجبرت قادة تل أبيب على محاولة تقليص نطاقها. ولتحقيق ذلك، وبالإضافة إلى تقليل اعتمادهم على الموارد المالية لليهود خارج البلاد، وتزايد الاعتماد على المستثمرين العرب، طمأنوا اليهود في الخارج أن حكومة إسرائيل لم تعد تعاني من عجز في الميزانية، بل أصبحت المحور الرئيسي السياسي والاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط. بحيث أن تعاونهم مع إسرائيل لن يكون عبئاً مالياً عليهم، بل سيكون مربحاً لهم.
من الآن فصاعداً، أعاد اليهود علاقاتهم مع بعضهم البعض إلى شكلها الهرتزلي ووجدوا مكانهم في ساحة العلاقات الدولية، وأصبحت إسرائيل القلب النابض والعقل المدبر لجميع يهود العالم. وفي المقابل، تعهد اليهود بتحقيق أهداف ومطالب قادة إسرائيل، وأن يكونوا جنوداً في الحرب، ووسائل إعلامية في الأزمات، وشهوداً في عقد الاتفاقيات، ومسوقين في تصدير المنتجات، وجواسيس في نقل المعلومات، ومحامين لإسرائيل عند ارتكابها الأخطاء، وألا يتركوها وحيدة أبداً. (لاحظوا أن قادة إسرائيل لم يقولوا أبداً أوامر بل قالوا مطالب، لكي لا يُتهموا بالسيطرة على يهود العالم).
نعم، إسرائيل تعرف كيف تحارب بادعاء السلام، وكيف تُحقق السلام بتهديد الحرب، وفي كلتا الحالتين تحظى بدعم يهود العالم.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار تعزيز العلاقات بين حكومة إسرائيل ويهود الخارج أفضل ترخيص لهذه الدعوى الصهيونية التي تعتقد أن الحل الوحيد لمشكلة اليهود هو العنصرية. فالصهيونية كحركة قومية متطرفة وبالغة التطرف، بذلت كل جهدها لإنقاذ الأمة اليهودية من ما تسميه الظلم والاضطهاد.
لكن يجب أن نلاحظ أن العلاقة القومية تتحقق فقط بين شعب واحد ومتشابه يعيش في أرض واحدة. بينما عندما نتحدث عن الأمة اليهودية كعرق نقي ومختار، نرى أن كل جزء من هذه الأمة يسكن في زاوية من العالم، وله عادات وتقاليد وثقافة وعرق وجنسية مختلفة تماماً عن باقي اليهود الآخرين. ولهذا السبب، كانت الصهيونية دائماً تتخبط في نوع من التلاعب المنطقي والتاريخي والبشري غير المتوازن.
ليس أمام الأمة اليهودية خيار سوى الاستقرار الدائم في أرض واحدة، ولكي تصبح عرقاً نقياً ومختاراً، يجب أن تغلق أبواب التواصل مع غير اليهود وألا تختلط بأي غريب. لكن هذا الأمر غير ممكن. لأنه لا هرتزل ولا خلفاؤه في العصر الحالي، رغم مرور مائة عام على بدء الحركة الصهيونية، نجحوا في تحقيق ذلك. ولذلك، لا تجد الصهيونية حلاً لهذه المشكلة سوى توطين اليهود في هذه الأرض المغتصبة التي يعتبرونها وطنهم الأبدي. نعم، الحل الوحيد الممكن هو خلق مجتمع واحد كإطار للحياة اليومية، وإقامة علاقة دائمة مع يهود الخارج من كل عرق وجنسية كجزء من مستقبل هذه الأمة الذين يخدمون إسرائيل دون الهجرة إليها. (يجب أن نذكر أن هذا الجزء يشمل ثلثي يهود العالم).
كما تعلمون، يُطلق على المهاجر في العرف الشائع من يغادر بلده مؤقتاً تحت ظروف خاصة. لكن هذا الأمر بالنسبة لليهود خارج إسرائيل عكس ذلك تماماً، وقد منحتهم قادة الدولة لقب الصهاينة معتقدين أن الحصول على هذا اللقب لا يحتاج إلى ولادة أو حياة في إسرائيل!
في ظل هذه الظروف، ليس من الصعب فهم قانون العودة (Law of Return) الذي يمنح كل يهودي وُلد لأم يهودية حق العودة إلى إسرائيل والتحول إلى مواطن إسرائيلي كامل الحقوق. ولهذا السبب، فإن طريق الهجرة إلى فلسطين المحتلة مفتوح لجميع اليهود، ومن حيث العنصرية والقومية اليهودية، لا يوجد فرق بين سكان إسرائيل ويهود الخارج إذا كانوا ملتزمين بمبادئ وأهداف النظام الصهيوني، فجميعهم متساوون في هذا الشأن. بعبارة أخرى، من وجهة نظر قادة إسرائيل، جميع يهود العالم هم إسرائيليون!
هرتزل قال لليهود: أنتم أمة واحدة ويهوديتكم هي نوع من القومية، والتمييز العنصري الذي يُمارس ضدكم هو في الواقع مواجهة لأولئك الذين يريدون أن يجعلوكم عرقاً متميزاً.
واليوم أيضاً، تقول إسرائيل ليهود الخارج: أنتم جزء لا يتجزأ، بل ممثلون ومتعاونون وشركاء معي، وعملكم من أجلي يجعلكم صهاينة حقيقيين، والدم الذي يجري في عروقكم هو دم عرق أسمى حتى لو كانت ثقافتكم وعاداتكم وتقاليدكم وجنسيتكم غير يهودية.
لهذا السبب، فإن اليهودي الصيني، المغربي، الأرجنتيني، والهولندي إذا كان يخدم مبادئ وأهداف الصهيونية من الاستيطان والتوسع والإرهاب والاستغلال، لا يختلف عن اليهودي الإسرائيلي. في قاموس الصهيونية، فلسطين ليست فقط لسكانها، بل هي أرض لجميع يهود العالم، وكل يهودي يعيش خارجها يمكنه بروحه أن يكون في فلسطين عن طريق العمل والتعبير عن الصداقة لذلك، يمكن اعتبار القومية والعنصرية الصهيونية مرادفاً لليهودية الدينية.
نعم، لأكثر من قرن، قادة الصهيونية كانوا يستخدمون يهود العالم كقطع شطرنج، يتلاعبون بهم كيفما يشاءون، حتى بإغراقهم في البحر أو حرقهم بالنار، وكان العذر الوحيد هو أن الله طلب من إبراهيم أن يضحي بابنه إسماعيل في مذبح الإيمان بالإله الواحد، لذا يجب على اليهود أن يضحوا بأنفسهم من أجل مصلحة وبقاء الأمة اليهودية. وكأن إله بني إسرائيل لم يحل إلا في روح الصهيونية، ويجب عبادته اليوم كما كان قبل أربعة آلاف عام.